الأحد، 28 يوليو 2024

أنا وجودي أبوت

 أتعرف جودي أبوت؟ لا أظن.

جودي بطلة رواية أمريكية أودعها القدر بأن تكتب رسائل إلى مجهول تطلق عليه لقب "صاحب الظل الطويل" مقابل تعليمها في الجامعة، عندما كنت طفلة كنت أشاهدها عبر الرسوم المتحركة ثُمَّ بعد عدة سنوات سنحت لي الفرصة لقراءة الرواية الأصلية كان ذلك في آواخر عام 2021، لم أعرف وقتها أن قدري سيشابه قدرها يتجمع عند النقطة نفسها ثم يتفرق، تكتب جودي الرسائل إلى شخص لا تعرف وجهه وأنا أكتب إلى شخص لا يعرف وجهي، يقرأ البطل رسائل جودي كلها ويحثها على الكتابة أكثر، أما أنا فلم ولن يقرأ رسائلي!

حزين أليس كذلك؟ لا تقلق فلو كنت الشخص المقصود فلن تؤثر بك هذه القصة الدرامية كما فعلت في صديقتي التي بكت وراء الشاشة بدلًا عني فمحاولتها بالتخفيف عني تبوء بالفشل!

بصراحة، كتاباتي معدودة. لم أكتب بقدر جودي. رسالتان أو ثلاثة على الأكثر، خبأتها داخل صندوقي الوردي ونسيتُ فحواها حتى تذكرتها قبل أيام، لذلك عاودت إحياء الشغف في داخلي من جديد.

 هل تعرف ماجدة الرومي؟ لا أظن. في أغنية لها رددتُ صداها طوال الصيف الماضي، وسطرٌ منها بقي عالقًا في ذهني : "من أنت زرعت بنقر خطاك الدرب ورودًّا جورية؟" تُراك هل زرعت دربي بالورود؟ لا أظن أيضًّا.

شيءٌ أخير، هل تعرف قصة الخضر مع سيدنا موسى؟ لو أنك لا تعرفها لكنت قد شككت بثقافتك الدينية بكل تأكيد! طلب سيدنا موسى من الخضر أن يرافقه لعلّه يكتسب منه بعض العلوم، لم يوافق الخضر بالبداية ولكن سيدنا موسى أصرّ بقوله {لن أبرح حتى أبلغ}،مرّ مع الخضر بثلاثة مواقف جعلت سيدنا موسى بالبداية يظن أنّ كل ما قام به الخضر هو الشر بحد عينه لم يصبر ولم يدري مكنون الأمور بالبداية إذ تجلت وكأنها السوء حتى شرح له الخضر أخيرًا ما سيحدث لو آلت الأمور كما يتمناها أن تحدث، وهكذا نحن نمرّ في حياتنا لا نرى إلا ظواهر الأمور ولا نعدّ حساب ما تحويه من خير، فالإيمان يتجلى بلحظة الخضوع لله، وقتها سترى لو باءت الأمور إلى أمرِّ ما تكون لتحلو عندك، وهكذا حتى تدرك ما هي الحياة.

فلو سألتك عن تشابه قدري مع جودي هل كنت ستظنه خيّرًا أم شرًّا؟

رزان


الأحد، 21 يوليو 2024

مني إلى نابلس ... إليك

أخبرني والدي ذات يوم أنّ ساعة ونصف الساعة تفصلنا عن نابلس إن كانت الطريق مفتوحة من دون حواجز أو جنود يهود يتربصون على الحدود. لا تملك عائلتي (الهوية) حتى تقطع تذكرة العودة إلى هناك ولا نعرف شيئا عن بلدتنا سوى من حكايا القادمين منها،  يبدأون الحديث بالتعريف عن بلدتنا عورتا بقولهم: أنها محاذية لبيتا، بجانب عقربا، قريبة من بورين -إن لم تخني ذاكرتي- وهكذا حتى يُفصِّلونها بالتحديد، وعلى الرغم من هذا فصورة نابلس عندي ما زال يخترقها الضباب لا أعرف أكثر من البلدة القديمة وصور إبراهيم النابلسي، وبيت خالتي التي لم نرها منذ ثمان سنوات!

عندما بدأت حرب السابع من أكتوبر -طوفان الأقصى-  تبادر إلى ذهن الجميع قُرب التحرير وكان النقاش في العائلة محتدمًا عمّا سنفعله في اليوم الأول عندما نعود إلى فلسطين، وأين سنسكن، ومتى سنذهب. أسئلة كثيرة توالت لم نكن نعرف لها إجابة كنا نطلق العنان لخيالنا ونتصور الحياة هناك، أحيانا أبكي عندما تشتد عاصفة الإدراك عليّ بأنه ربما توافيني المنية ولم يكن بمقدوري الذهاب إلى هناك، خفتُ من هذا كثيرًا حتى بدأت ادعو في كل صلاة بأن يرزقني الله الذهاب إلى فلسطين، فهذه أمنية وحلم وأمل بالنسبة لي.

اتألم لأنني في طفولتي لم استطع أن اركض هناك بينما يداعب نسيم الهواء وجنتيّ، ولأنني لم أتدحرج على المرج مع أخي فتتسخ ملابسنا بتراب البلدة، ولأنني لم ألعب الغُميضة مع أولاد عمومتي بين المنازل الريفية هناك، ولأنني لم أذهب مع والدي في نزهة يسرد لي فيها ذكرياته بالقرية وهذا أصعب  ما أتخيله لأن والدي أيضًّا لا يعرف شيئًا عن القرية، فكل الاشياء عندنا مجهولة كاسماء الطرق والمحلات وربما أسماء من يقطن من الأقارب هناك!

مَن يرافقني إلى نابلس ويخبرني بأملّ التفاصيل وأدقها؟ عن شوارع المدينة وأزقتها؟ عن قصص مطاردة المقاومين وجبل النار؟ عن شِعر إبراهيم طوقان ونشيد موطني يملأ الساحات؟ عن بيوتها القديمة واحياؤها العتيقة؟ 

لدي قريبة هناك أخبرتني بأنها ستتجول معي في نابلس وكلّ فلسطين عندما تواتينا الفرصة لزيارتهم يومًا، ولكنّي أريد اعادة اكتشافها مع شخص لا يعرف نابلس أو يعرفها لا أدري تمامًا، يُحب فلسطين مثلي ويشتاق إلى نابلس، يُعلِمني بأشياء لا أعرفها عن فلسطين. فبالرغم من محاولتي معرفة كل الاشياء التي تخصها فإنني ابقى اجهلها لأنني لم ألثم عطر هواءها ولم أذهب إليها، كما فعل هو وذهب إلى هناك.


رزان



أنا وجودي أبوت

 أتعرف جودي أبوت؟ لا أظن. جودي بطلة رواية أمريكية أودعها القدر بأن تكتب رسائل إلى مجهول تطلق عليه لقب "صاحب الظل الطويل" مقابل تعل...