أخبرني والدي ذات يوم أنّ ساعة ونصف الساعة تفصلنا عن نابلس إن كانت الطريق مفتوحة من دون حواجز أو جنود يهود يتربصون على الحدود. لا تملك عائلتي (الهوية) حتى تقطع تذكرة العودة إلى هناك ولا نعرف شيئا عن بلدتنا سوى من حكايا القادمين منها، يبدأون الحديث بالتعريف عن بلدتنا عورتا بقولهم: أنها محاذية لبيتا، بجانب عقربا، قريبة من بورين -إن لم تخني ذاكرتي- وهكذا حتى يُفصِّلونها بالتحديد، وعلى الرغم من هذا فصورة نابلس عندي ما زال يخترقها الضباب لا أعرف أكثر من البلدة القديمة وصور إبراهيم النابلسي، وبيت خالتي التي لم نرها منذ ثمان سنوات!
عندما بدأت حرب السابع من أكتوبر -طوفان الأقصى- تبادر إلى ذهن الجميع قُرب التحرير وكان النقاش في العائلة محتدمًا عمّا سنفعله في اليوم الأول عندما نعود إلى فلسطين، وأين سنسكن، ومتى سنذهب. أسئلة كثيرة توالت لم نكن نعرف لها إجابة كنا نطلق العنان لخيالنا ونتصور الحياة هناك، أحيانا أبكي عندما تشتد عاصفة الإدراك عليّ بأنه ربما توافيني المنية ولم يكن بمقدوري الذهاب إلى هناك، خفتُ من هذا كثيرًا حتى بدأت ادعو في كل صلاة بأن يرزقني الله الذهاب إلى فلسطين، فهذه أمنية وحلم وأمل بالنسبة لي.
اتألم لأنني في طفولتي لم استطع أن اركض هناك بينما يداعب نسيم الهواء وجنتيّ، ولأنني لم أتدحرج على المرج مع أخي فتتسخ ملابسنا بتراب البلدة، ولأنني لم ألعب الغُميضة مع أولاد عمومتي بين المنازل الريفية هناك، ولأنني لم أذهب مع والدي في نزهة يسرد لي فيها ذكرياته بالقرية وهذا أصعب ما أتخيله لأن والدي أيضًّا لا يعرف شيئًا عن القرية، فكل الاشياء عندنا مجهولة كاسماء الطرق والمحلات وربما أسماء من يقطن من الأقارب هناك!
مَن يرافقني إلى نابلس ويخبرني بأملّ التفاصيل وأدقها؟ عن شوارع المدينة وأزقتها؟ عن قصص مطاردة المقاومين وجبل النار؟ عن شِعر إبراهيم طوقان ونشيد موطني يملأ الساحات؟ عن بيوتها القديمة واحياؤها العتيقة؟
لدي قريبة هناك أخبرتني بأنها ستتجول معي في نابلس وكلّ فلسطين عندما تواتينا الفرصة لزيارتهم يومًا، ولكنّي أريد اعادة اكتشافها مع شخص لا يعرف نابلس أو يعرفها لا أدري تمامًا، يُحب فلسطين مثلي ويشتاق إلى نابلس، يُعلِمني بأشياء لا أعرفها عن فلسطين. فبالرغم من محاولتي معرفة كل الاشياء التي تخصها فإنني ابقى اجهلها لأنني لم ألثم عطر هواءها ولم أذهب إليها، كما فعل هو وذهب إلى هناك.
رزان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق